التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تعد الطريقة البكتاشية من أخطر الطرق الصوفية الشيعية التي أسقطت الخلاقة العثمانية وانتشرت في تركيا ومصر، فمن مؤسسها وعلاقتها بالانكشارية؟
كانت الطرق الصوفية هي البداية العظيمة التي دخل عن طريقها الفكر الشيعي والمذهب الشيعي إلى العالم الإسلامي السنّي. أشهرهما طريقيتان، تأسست الأولى في منتصف القرن السابع الهجري وما زال لها أتباع إلى اليوم وهي الطريقة البكتاشية، وتأسست الثانية في منتصف القرن السادس الهجري وما زال لها أتباع إلى اليوم وهي الطريقة الرفاعية. والطريقة الأولى أعني البكتاشية شيعية قلبًا وقالبًا ومع ذلك نشأت في تركية عاصمة الخلافة الإسلامية واستطاعت التسلل حتى وصلت إلى الجيش الجديد (الإنكشارية)، بل وإلى بيت السلطان العثماني نفسه وأسهمت إسهامًا فعالًا في تحويل العقيدة السنية.
وسيعجب القارئ عندما يطلع على حقيقة هذه الطريقة كيف وجدت مكانًا وردادًا عند أهل السنة والجماعة، ولكن عجبه سيزول عندما يعرف كيف التدرج بالمريد إلى ذلك المعتقد الباطني.
نشأة الطريقة البكتاشية
والبكتاشية طريقة دينية صوفية أسسها رجل يدعى "حاج بكتاش ولي" فنسبت إليه، وأكثر المعلومات عن هذا الرجل أسطورية، ويقال إنه من مواليد نيسابور في النصف الثاني من القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي، درس فيها على أحمد يسوى علومًا مختلفة، ومات نحو سنة 738هـ/1337م. وهناك من يقول إن المؤسس الحقيقي لهذه الطريقة رجل يدعى "بابا بالم" المتوفى سنة 922هـ / 1516م، والمرجح أن بكتاش ولي أسس الطريقة وأن بابا بالم وسّعها وأضاف إليها ونظّمها. ويبدو أن موطنها كان في بلاد الأتراك وآسيا الصغرى وربما وجد لها فروع خارج هذه المناطق كمدينة القاهرة.
ويذكر أحمد سري البكتاش (دده بابا) شيخ مشايخ الطريقة البكتاشية في مصر، في كتابه "الرسالة الأحمدية في تاريخ الطريقة البكتاشية": إن خنكار هذا نزل في قرية (صوليجية فترة أويوك) والتي قسمت بعد ذلك بناحية الحاج بكتاش وما زالت تحمل هذا الاسم إلى اليوم. وأنه استضاف هناك رجل يسمى الشيخ إدريس وزوجته (فاطمة قوتلو ملك)، وأنهما أنفقا أموالهما في سبيل نشر دعوة الشيخ خنكار الخراساني، ولكن جاء وفد من خراسان لزيارة الشيخ خنكار فلم تجد المرأة ما تضيفهم به إلا أن باعت ثيابها، واشترت طعامًا لضيوف الشيخ خنكار الخراسانيين. ولما كان من عادة المرأة فاطمة هذه أن ترحب بضيوف الشيخ فإنها لم تخرج إليهم لأنها لا تملك ثيابًا. فعلم الشيخ خنكار بهذا من الغيب، فمد يده فأخرج صرة ملابس لها، ثم مد يده أيضًا تحت البساط الذي يجلس عليه فأخرج كيسين من الذهب وأعطاهما للمرأة التي جاءت وقبلت يدي الشيخ ورحبت بضيوفه، وآمنت بكراماته.
ولا يخفى ما في هذه القصة من الحنكة، فخنكار هذا لم يخلق ثيابا، وإنما جاء بهذا الوفد الخرساني الذي تجرد بعد ذلك للدعوة الصوفية في تركيا، وصنع الشيخ هذا على أنه كرامة؛ ليسهِّل ذلك له طريق دعوته في أوساط العامة. وكانت هذه القصة هي البداية لنشر الطريقة البكتاشية وكذلك مجيء هذا الوفد الخراساني الذي راح يروج للشيخ خنكار الذي كان قد مهد الطريق للدعوة الصوفية ولهذه الطريقة الشيعية الباطنية.
ثم انتحل الشيخ خنكار كرامة أخرى فادعى (أن فاطمة قوتلو) هذه زوجة الشيخ إدريس قد حملت عندما شربت قطرات من دم الشيخ. وذلك أن فاطمة هذه لم تحمل من زوجها إدريس التركي مدة عشرين عامًا فلما جاء خنكار الخراساني وكانت تصب الماء له ليتوضأ فوقعت قطرات من دمه في الطشت فشربتها المرأة فحملت وتكرر حملها فولدت حبيبًا، ومحمودًا، وخضرًا. وهؤلاء الأولاد أصروا على أن أباهم هو الشيخ خنكار -فيما يذكر أحمد سري شيخ مشايخ الطريقة البكتاشية في مصر- أن الشيخ خنكار هو أبوهم الروحي فقط وأن أمهم حملت من شربها دم الشيخ وأن الشيخ خنكار لم يتزوج قط طيلة حياته.
انتشار البكتاشية في بلاد الخلافة العثمانية
أسس الشيخ خنكار أول (تكية) صوفية للطريقة وابتدأ الأتباع والرواد يكثرون، ويسكنون في هذه القرية التي لم تكن إلا سبعة بيوت فقط ثم اكتشفوا جبلًا من جبال الملح. سموه جبل ملح الحاج بكتاش، واشتهر هذا الملح حتى كان يموِّن ويزوِّد مطابخ السلطان العثماني الذي كان يحصل منه على مليونين (أقة) (الأقة وزن يكبر من الكيلو بقليل) كل عام. ولما ذاع صيت الشيخ خنكار بكتاش ووصل الأمر إلى السلطان أورخان غازي العثماني المتوفى سنة 761هـ عمد هذا السلطان إلى الشيخ خنكار ليعلم أولاد الأسرى من أهل الذمة، وممن لا أب لهم، ينشئهم على طريقة الدارسين البكتاشية.
البكتاشية وجيش الانكشارية
وكانت هذه الفرصة الذهبية لانتشار الطريقة وذلك أن هذا الجيش الذي عرف بعد ذلك بالجيش الإنكشاري -أي الجيش الجديد- وهو الذي كان عماد الحروب التركية بعد ذلك، ثم كان هو الجيش المتسلط على مرافق الحياة كافة في تركية. وهكذا استطاعت الطريقة البكتاشية أن تنتشر وأقيمت المقامات على قبور من مات من مشايخها، وبعض هذه القبور غطيت بالذهب الخالص. وقد تنافس السلاطين العثمانيون في بناء التكايا والزوايا والقبور البكتاشية. وربما أطلق لقب البكتاشية على الانكشارية، ويقال للإنكشارية أبناء "الحاج بكتاش ولي"، وكان للحاج بكتاش وكيل يقيم في ثكنات الفرقة الرابعة والتسعين واشترك البكتاشية في الفتن المتعددة التي قام بها الانكشارية.
وقد مر على الطريقة البكتاشية أيام مد وجزر في تركيا فبينما ناصرها بعض السلاطين، عارضها آخرون مفضلين طريقة أخرى غيرها. فقد تخاذل الإنكشاريون البكتاشيون أثناء الحروب، فتآمروا مع الباطني تيمور لنك، وتخلوا عن السلطان أبايزيد الأول (١٣٨٩ - ١٤٠٣م) في معركة أنقرة سنة ٨٠٤هـ / ١٤٠٢م. وتمرّد الإنكشارية على السلطان سليم الثاني في بداية حُكمه ١٥٦٦ - ١٥٧٤م)، وأضعفوا الدولة أثناء التمرد الزيدي في اليمن، وقتل الإنكشاريون الصدر الأعظم حسين باشا سنة ١٠٣٢هـ/ ١٦٢٢م، وقتلوا السلطان عثمان الثاني ( ١٦١٨ - ١٦٢٢م) حينما فكَّر بإلغاء الإنكشارية "البكتاشية" وفيالق القابو قولو الموالية لهم، وقتلوا السلطان إبراهيم الأول ( ١٦٤٠ - ١٦٤٨م) بعدما فتح جزيرة كريت.
كما وفرضوا وصايتهم على السلطان مراد الرابع ( ١٦٢٣ - ١٦٤٠م) في بداية سلطنته، وأعلنوا العصيان بقيادة رجب باشا سنة ١٠٤٢هـ / ١٦٣٢ م، وقتلوا الصدر الأعظم حافظ أحمد باشا، وعَينَّوا رئيس الأشقياء طوبال رجب باشا صدرا ًاعظم، ولكن السلطان مراد أعدمه سنة ١٠٣٢هـ / ١٦٣٢م، وقاد السلطان حملة عسكرية ضدّ الصفويين وحرّر عِراقَ العرب من ظُلْمِ العجم، بعدما كسر شوكة عملائهم الإنكشارية البكتاشية الذين استعادوا قوتهم، وفرضوا سيطرتهم على السلطان محمد الرابع (١٦٤٨ - ١٦٨٧م)، وكانوا قد خلعوا السلطان مصطفى الأول سنة ١٦٢٣م ثم خلعوا مصطفى الثاني (١٦٩٥ ١٧٠٣م) في أدرنة، وخلعوا السلطان أحمد الثالث (١٧٠٣ - ١٧٣٠م) بعدما انتصر على إيران، وعُرف تمرُّد الإنكشارية بعصيان "باترونا"، وعزلوا السلطان سليم الثالث سنة ١٢٢٢هـ / ١٨٠٧م، ثم قتلوه سنة ١8٠٨م، ولم يأبهوا بالغزو الفرنسي لمصر وبلاد الشام، ولا بالتحركات الإيرانية والروسية، وخلعوا السلطان مصطفى الرابع سنة ١٢٢٣هـ/ ١٨٠٨م.
وتمادوا في إلحاق الضرر بالسلطنة العثمانية، وتقديم الخدمات لأعداء الإسلام، وسقطت الأقنعة، وكُشف أمر التعاون الخطير بين البكتاشية الباطنية والإنكشارية ضدَّ الخلافة الإسلامية العثمانية، فأمر السلطان محمود الثاني (١٨٠٨ - ١٨٣٩م) بإغلاق الزوايا البكتاشية في تركيا بعدما قضى على الإنكشارية في ٩ شوال سنة ١٢٤١هـ / ١٨ مايو سنة ١٨٢٦م، بعد أن عاثت في الأرض فسادًا، وهدم عددًا كبيرًا من التكايا وخاصة ما كان منها قرب القسطنطينية ونفى معظم ساكنيها، وقتل كثيرًا من شيوخها كشيخ تكية "مردونكوي"، ولكنها فيما بعد استعادت قوتها وازدهرت شيئًا فشيئًا عندما أمر السلطان عبد المجيد المتوفى سنة 1255هـ بفتح الزوايا البكتاشية مرة أخرى.
وفي سنة 1925م صدر مرسوم الحكومة التركية بإلغاء جميع الطرق الصوفية ومن ضمنها الطريقة البكتاشية، وكان آخر مشايخها هو صالح نيازي الذي سافر إلى ألبانية وانتخبه الدراويش البكتاشيون ليكون (رده بابا) وهي أعلى منزلة في الطريقة أي شيخ مشايخ الطريقة. وبعد اغتيال صالح نيازي هذا سنة 1942م تولى بعده ابنه عباس دده بابا الذي قتل نفسه سنة 1949م بعد دخول البلاشفة إلى ألبانيا. ومنذ ذلك الوقت انتقل المركز الرئيسي للطريقة ليتحول إلى مصر وتكون القاهرة هي المقر الحالي والأخير لهذه الطريقة. وقد حظيت البكتاشية الباطنية برعاية آل محمد علي باشا، وتغلغلت بين البسطاء فاستغلتهم، وتولى توجيهَها رؤوسُ الباطنية السريين الذين حاولوا إضعافَ جمُهورِ المسلمين السُّنةَّ في مصر عن طريق تضليلهم، وتفريق كلمتهم، وموالاة أعدائهم من البدعيين وغير المسلمين.
فكيف دخلت الطريقة البكتاشية إلى مصر؟ وكيف استقرت فيها ثم أصبحت هي مكانها الرئيسي بعد تركيا وألبانيا؟
الطريقة البكتاشية في مصر
استطاع مؤسس الطريقة البكتاشية وهو خنكار محمد بكتاش أن يربي مجموعة من المريدين وكان منهم (أبدال موسى سلطان) الذي كان خليفة بعده، وربى أبدال هذا رجلًا يسمى (قبوغوسز) وهذا القبوغوسز لا يعرف من أبوه ولا أمه، وإنما تسمى بغيبي (الرسالة الأحمدية ص34)، واستطاع هذا الرجل أن يرتحل مع مجموعة من الدراويش من تركيا إلى مصر، واختار لمن يصحبه في هذه الرحلة دراويش من النوع الذين يطيعون في كل صغيرة وكبيرة حتى إنه كان يقول لهم عن الشجرة الباسقة الطويلة، هذه شجرة قثاء. فيقولون: نعم هي قثاء (الرسالة الأحمدية ص38).
ولما دخل بهم مصر، أمرهم أن يضع كل منهم على عينه قطعة قطن؛ فلما سألهم الشرط والجنود عن ذلك قالوا: إننا نغمض عين الظاهر، وننظر بعين الباطن، والناس على دين ملوكهم. وكان قد علم قبوغوسز أن الأمير يشتكي من وجع عينه!! وأراد الملك أن يختبرهم فعمل لهم وليمة كبرى ووضع لهم ملاعق طويلة جدًا وأحضر وجهاء الناس ليأكلوا، وأمرهم ألا يأكلوا إلا بهذه الملاعق، فعجز الجميع عن الأكل إلا قبوغوسز ودراويشه فإنهم تناولوا الملاعق الطويلة، وكان كل منهم يطعم من أمامه وهكذا. وسر بهم الأمير الذي أعطاهم مكانًا يبنون فيه (تكية) أي زاوية ورباطًا لهم. ومنذ ذلك الوقت، وهو سنة 800هـ، بدأ انتشار الطريقة البكتاشية في مصر في بداية القرن التاسع الهجري وسمى قبوغوسز نفسه عبدالله المغاوري، وسموا أول تكية لهم تكية القصر العيني.
وظل هذا الحال قائمًا في مصر إلى سنة 1242هـ / 1826م حتى جاء السلطان محمود الثاني العثماني فأمر بإلغاء الإنكشارية والطريقة البكتاشية، وأعطيت أملاكهم للطريقة القادرية، ولكن في عهد السلطان عبد المجيد عادت الطريقة البكتاشية مرة ثانية إلى مصر بعد أن سمح لهم هذا السلطان بالعمل والنشاط وذلك منذ عام 1255هـ حيث حصل الشيخ علي الساعاتي على لقب (دده بابا) أي شيخ المشايخ، فجمع الدراويش حوله مرة ثانية وبنى تكية جديدة في باب اللوق، وأخذ يعطي العهود ويقيم حلقات الذكر.
وفي سنة 1276هـ / 1859م صدرت أوامر الحكومة المصرية بتخصيص المغاره التي دفن فيها عبدالله المغاوري (قبوغوسز) للطريقة البكتاشية، فبنوا تكية عظيمة هناك بعد أن طردوا الرعاة والبدو الذين يلجأون إليها بأغنامهم وإبلهم وبنوا قبة عظيمة لمؤسس طريقتهم في مصر. وأصبحت هذه التكية فيما بعد قبلة الشعب المصري حيث يؤمونها لزيارة (ولي الله المغاوري)!! الذي تخصص (بتحبيل النساء) وشفاء الأمراض وتلبية الحاجات فكانت تقصده كل امرأة لا تلد، وكانت المرأة تدخل في المغارة ضمن كهوف مظلمة طويلة. وبقيت تكية المغاوري هذه تابعة للمركز الرئيسي للطريقة في تركية، ثم أصبحت تابعة للمركز الرئيسي في ألبانية، ثم بعد أن قتل صالح نيازي بابا نفسه سنة 1949م، اجتمع أتباع الطريقة واختاروا أحمد سري شيخ تكية قبوغوسز (عبدالله المغاوري) شيخًا لمشايخ علوم الطريقة وكان ذلك في 30 يناير سنة 1949م (الرسالة الأحمدية ص31).
ومنذ ذلك الوقت أصبحت مصر هي المقر الرئيسي لهذه الطريقة، وأصبح أحمد سري (دده بابا) هو شيخ مشايخها. وفي يناير سنة 1957م أمرت الحكومة المصرية بإخلاء تكية المقطم لوقوعها ضمن المناطق العسكرية، وأعطت الحكومة أرباب الطريقة مكانًا آخر في ضاحية المعادي. حيث أسس المقر الجديد على غرار التكايا البكتاشية ثم نشط البكتاشيون، وجددوا التكايا القديمة التي لهم.
هذه لمحة سريعة عن تاريخ هذه الطريقة التي نشأت وترعرعت في أوساط أهل السنة في تركيا ومصر، وسيعجب القارئ أشد العجب عندما يعلم أن هذه الطريقة شيعية خالصة في المعتقد والأذكار والمشاعر، وأنها لا تمت إلى أهل السنة بصلة مطلقًا. سيعجب كيف خفي مثل ذلك على علماء الإسلام ورجال السنة في تركيا ومصر، ولكن يزول العجب عندما نعلم أن الظاهر الصوفي كان دائمًا خدَّاعًا يخفي تحته ما يخفي من العقائد الباطنية. وهو ما سنتعرف عليه في المقال التالي "الطريقة البكتاشية .. خليط من الصوفية والتشيع".
البكتاشية ودورهم في إلغاء الخلافة العثمانية
وأما في إسطنبول مركز الخلافة العثمانية الإسلامية، فبعدما ألغى السلطان محمود الثاني الإنكشارية والبكتاشية لاذت فلولهما بالعمل الباطني السِّرِّي، وتظاهرت بالعِلمانية، ثُمَّ انخرطت تلك الفلول مع
يهود الدونمة وأتباعهم، وشكَّلوا جمعيَّةَ "الاتحاد والترقي" التي تعاوَن زعيمُها طلعت باشا مع الصهيونية
انطلاقًا من سالونيكا اليونانية، واستطاعت القيام بانقلابها ضدَّ الخليفة عبد الحميد الثاني سنة ١٩٠٩م، ثم قامت بانقلاب ٢٣ يناير سنة ١٩١٣م بقيادة الثلاثي الاتحادي: أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا، وبعد الحرب العالمية الأولى استطاع أعداء الإسلام القضاء على السلطنة العثمانية سنة ١٩٢٣م، وإلغاء الخلافة الإسلامية السُّنِّيَّة في ٣ مارس سنة ١٩٢٤م، بالتعاون بين القُوى غير الإسلامية التي جنت ثمار الحرب العالمية الأولى التي تمخضت عن اتفاقية سايكس بيكو التي بدأ تطبيقها العملي منذ سنة 1916م ومازال التآمر مستمرًا ظاهرا وًباطنًا حتى الآن مرَّة باسم الحداثة، ومرة باسم العلمانية، ومرة باسم الديموقراطية، ومرة باسم الحرية والإخاء والمساواة، والهدف والغاية التي من كل هذه الوسائل هي القضاء على الإسلام والمسلمين.
أشهر التكايا البكتاشية
ومن أشهر تكاياها ما كان بجوار القسطنطينية، وتكية "عثمان جيك" في الشمال من آسيا الصغرى، وتكية قبر "بطّال" إلى الغرب من أسكي شهر، وهناك عدد من التكايا في القاهرة على جبل المقطّم. وكان بإمكان الطريقة أن تتسع في تركية أكثر لولا أنها ائتلفت وتجانست مع الحركات الشيعية المتطرفة وأضحت غير متفقة مع معتقدات الأتراك خاصة، في الوقت الذي كانت فيه الحروب قائمة بين الأتراك من جهة والصفويين من جهة ثانية.
وماتزال البكتاشية موجودة في البلقان ولاسيما ألبانية حيث يقيم زعيمهم في تكية تيرانة، وتبدو البكتاشية اليوم أقرب إلى الفرق منها إلى الطريقة.
___________________
المصادر والمراجع:
- عبد الرحمن عبد الخالق: الفكر الصوفي في ضو الكتاب والسنة، الناشر: مكتبة ابن تيمية – الكويت، الطبعة: الثانية، 1404هـ / 1984م.
- محمود السيد الدغيم: محمد علي باشا وجهة نظر عثمانية، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، SOAS، جامعة لندن.
- محمود عكام: البكتاشية، الموسوعة العربية العالمية.
- E.E.RAMSAUR, The Bektashi Derwishes and The Young Turks in Moslem World (1942).
- J.K.BIRGE, The Bektashi Order of Derwishes (London and Hartford 1937).
التعليقات
إرسال تعليقك